نشرت طالبة الدكتوراة، أيشيكا كلير، مقالًا على موقع «فورين بوليسي» تقول إنه عندما فرضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضوابط لتقييد نقل التكنولوجيا الحساسة إلى الصين، أشار ذلك إلى تخليها النهائي عن النظرية السياسية التي كانت شائعة في السابق، بأن اندماج الصين في الاقتصاد العالمي سيجعلها أكثر حرية وقربًا.
وتسعى واشنطن استباقيًّا إلى سنَّ سياسات أكثر صرامة لتأخير صعود الصين إلى التفوق العالمي. لكنها لا تريد أن تفعل ذلك بمفردها، فقد تواصلت بالفعل مع حلفائها في أوروبا وأماكن أخرى. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يكون إقناع الدول المجاورة للصين هو الأصعب.
وأوضحت الكاتبة أن هذا يعد هذا طلبًا محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لدول المحيطين الهندي والهادئ، حيث إن صراع القوتين العظميين يهدد الاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي. ويريد المسؤولون الأمريكيون من الدول الآسيوية مساعدتها في كبح صعود الصين من خلال حجب الدعم المادي والتعاون. أو الأفضل من ذلك من خلال الضغط بنشاط على التوسع الصيني.
بالمقابل، تريد معظم دول المحيط الهادئ، بدءًا من فيتنام إلى الفلبين، الاستمرار في التمتع بالتجارة مع الصين، أحد أكبر شركائها الاقتصاديين، مع تلقي الحماية الأمنية، وتحقيق التوازن الإقليمي عبر الولايات المتحدة. وتسمح لهم هذه الإستراتيجية بالحفاظ على الحياد وتجنب تنفير أي من القوتين، وتوفير التعايش الهادئ، واستمرار الوضع الراهن هو أفضل رهان.
وتتساءل الكاتبة أنَّه إذا كان هذا هو الرأي الجماعي لتلك الدول، فما مستوى الدعم الذي يمكن أن تتوقعه الولايات المتحدة بشكل معقول لسياستها تجاه الصين؟ وذلك نظرًا إلى أن آسيا ليست كتلة واحدة، فإن الاستجابات للتحولات في السياسة الأمريكية ستختلف. ومع ذلك، يوجد بعض المخاوف الإستراتيجية العابرة للحدود، وبالنسبة لبعض اللاعبين الرئيسيين في آسيا، فإن الحوافز لمقاومة الهيمنة الأمنية في المنطقة قد تفوق الدعوة إلى إقامة سياج في القوة الاقتصادية المهيمنة في المنطقة.
آسيا وعلاقات اقتصادية متينة مع الصين
تشير الكاتبة إلى ثلاثة عوامل يمكن أن تجعل الدول الآسيوية تتراجع عن سياسة أمريكا الأكثر عدوانية تجاه الصين. أولًا، قوة الصين الاقتصادية، التي كانت الشريك التجاري الأول ولمدة 13 عامًا مع رابطة دول جنوب شرق آسيا. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، استثمرت بكين مليارات الدولارات في البنية التحتية والتصنيعية في دول المنطقة.
وتستورد الصين سلعًا ومنتجات بمليارات الدولارات من تلك الدول. ففي عام 2020، جنت كل من اليابان وكوريا الجنوبية أكثر من 130 مليار دولار من صادراتها إلى الصين.
تذكر الكاتبة افتقار أمريكا لاستجابة اقتصادية متماسكة للقوة التجارية للصين، على الرغم من أنها حاولت تطوير استجابة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، عندما قاد الدبلوماسيون الأمريكيون مبادرة إنشاء الشراكة عبر المحيط الهادئ. ولكن عندما انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، أضعف نفوذ واشنطن في منطقة تضم نوعين من الدول: الدول النامية التي تحاول الثراء، والدول المتقدمة التي تحاول البقاء غنية.
ورغم ذلك، لم يتحسن الانفتاح التجاري في عهد الرئيس جو بايدن، الذي لم ينضم بعد إلى الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ، أو أي اتفاقية تجارة حرة آسيوية أخرى. ويميل بايدن إلى تفضيل الترتيبات الاقتصادية غير الملزمة، وغير التقليدية التي تترك مستويات التعريفة الجمركية دون تغيير ولا توسع الوصول إلى الأسواق.
هذا غير مفضل للدول المتعطشة للسوق والتي تعتمد على التصدير. وتنظر القوى المتوسطة والثانوية في المحيط الهادئ إلى اتفاقيات التجارة الحرة بوصفها أداة قوية ليس فقط لتعزيز التجارة الحرة، ولكن أيضًا لتقنين القواعد التي ستنظم التجارة والاستثمار بالنهاية. وتذكر الكاتبة أن التقليل من حافز الربح والتخلي عن سلطة وضع جدول الأعمال إستراتيجية سيئة لكسب الأصدقاء والتأثير في الحلفاء.
ثانيًا تشير الكاتبة إلى أهمية تركيز دول المحيط الهادئ على القوة العسكرية المتنامية للصين. إذ إن بكين قادرة بشكل متزايد على حرمان هذه الدول الوصول الجوي والبحري إلى الأراضي والبحار المتنازع عليها. وتضرب مثالًا عن الموقف الغامض لليابان وكوريا الجنوبية، الدولتين البحريتين والحليفين الأكبر لأمريكا، واللتين تعتمدان على الممرات المائية المشتركة للتجارة، واستيراد الموارد الحيوية. وتقول الكاتبة إنَّ موقفهما المتشدد مع الصين، قد يؤدي إلى مخاطر إستراتيجية بعد أن أصبحت الصين أكبر قوة بحرية في العالم، وأنَّ المزايا العسكرية لأمريكا في تراجع نسبي، أضف إلى أنَّها بعيدة، والصين قريبة جغرافيًّا.
ومع ذلك، فإن المخاوف الأمنية لليابان، مثل العديد من دول المحيط الهادئ الأخرى، لا تقتصر على شيء واحد، وتتماشى سياسة أمريكا المتشددة تجاه الصين إلى حد كبير مع مصلحة طوكيو الخاصة في كبح عدوان بكين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أذِن رئيس الوزراء الياباني بزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي على مدى السنوات الخمس المقبلة، مدفوعًا جزئيًّا بالحذر من الاستفزازات الصينية لتايوان وجزئيًّا للدفاع عن مطالبتها الإقليمية بجزر سينكاكو المتنازع عليها، والمعروفة في الصين باسم جزر دياويو.
ومن وجهة نظر إستراتيجية، يجب أن يدفع العداء العسكري الصيني القوى الأضعف في المحيط الهادئ للانضمام إلى مبادرة التوازن الأمريكية. ومع ذلك فإن لدى دول المحيط الهادئ سببًا للقلق بشأن التزام الولايات المتحدة بالمنطقة. وتكافح واشنطن أحيانًا الحفاظ على تركيزها الإستراتيجي على آسيا. دفع مثل هذا التناقض رئيس الوزراء السنغافوري السابق، لي كوان يو، لانتقاد صانعي السياسة الأمريكيين لإعلانهم إعادة ارتباطهم بآسيا.
والتعامل مع السياسة العالمية كما لو كان فيلمًا يمكنهم إيقافه مؤقتًا عندما يتشتت انتباههم، ويضغطون ببساطة على تشغيله عندما يكونون مستعدين لاستكماله. حذر رئيس الوزراء السنغافوري من أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تأتي وتذهب وفقًا لرغباتها، وتظل تتوقع أن يكون لها تأثير جوهري في التطور الإستراتيجي في آسيا.
المصالح أولًا
تسهب الكاتبة بالقول إنَّه قبل ثلاثة شهور من إعلان بايدن عودة أمريكا، وقعت 15 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر اتفاقية تجارية في العالم (الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة) دون مشاركة الولايات المتحدة فيها، الذي وُصف بـ«انقلاب للصين» بسبب الانشغال الأمريكي بالحرب على الإرهاب. تخلى الرئيس جورج دبليو بوش عن التعامل مع الصين، وفشل في إعادة التواصل مع المنطقة إلا بعد سنوات من هجمات 11 سبتمبر، وهو ما أصبح هدية جيوسياسية رائعة للصين. وبحلول الوقت الذي أعلنت فيه وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون في رحلة دبلوماسية إلى آسيا عودة الولايات المتحدة، وأنها على استعداد لإعطاء أهمية كبيرة لهذه المنطقة، كان ظهور الصين قوةً عظمى قد أحدث تحولًا جذريًّا في أمن آسيا والمشهد الاقتصادي.
ربما تكون أمريكا القوة المهيمنة في آسيا، لكنَّها قوة مشتتة أيضًا. وتعدُّ جدية القيادة الأمريكية، وصناعة السياسات، أمرًا معقدًا بسبب التزاماتها المتنافسة، ومصالحها الشاملة. وبصفتها الدولة التي لا غنى عنها كما نصبت نفسها، فإنَّ السياسة الدولية بالنسبة لها جوهرية، ويشمل ذلك السياسات الخارجية والمحلية لمعظم دول العالم، ذلك لتحقيق الاستقرار السياسي.
ركز محور الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه آسيا على المشاركة الإستراتيجية وقد رُحِّب به تخفيفًا من سنوات من الإهمال. ومع ذلك، في عام 2016، نقل ترامب النزعات الانعزالية والقومية لأمريكا إلى مستويات منخفضة جديدة، عندما تمكنت إدارته من توجيه التركيز والحفاظ عليه على المحيط الهادئ، وأظهرت سياساته، وخاصة مواقفه الشخصية، عدم اهتمامه الشديد بالسوابق التاريخية والحصافة الإستراتيجية. وتقول الكاتبة إنَّه خلال عهد ترامب، ربما تكون الولايات المتحدة في آسيا قد تحولت إلى شيء أسوأ من قوة مشتتة، لقد أصبحت قوة غير مبالية. والآن، بعد أن أذهلتهم سنوات ترامب، ينظر العديد من القادة الآسيويين بتشكك إلى محاولات بايدن للتراجع عن الأضرار الدبلوماسية، وإعادة تأكيد الالتزامات الأمنية للولايات المتحدة، وإقناع الآخرين بالمساعدة في وقف صعود الصين.
لكن انتخاب ترامب عام 2016 لم يحطم فقط العديد من التصورات المسبقة حول صمود التزام الولايات المتحدة، بل أثار أيضًا الشكوك حول النظام السياسي للبلاد. وأثارت استجابة الولايات المتحدة الفوضوية لجائحة كورونا، جنبًا إلى جنب مع المشاهد المروعة لوحشية الشرطة والفوضى الانتخابية، أسئلة عن الكفاءة المؤسسية وحسن النية الديمقراطية. ومثل هذه المخاوف لا تتحدث عن تصميم الولايات المتحدة، بل تتحدث عن قدرتها.
تؤكد الكاتبة أن الانقسام الحاصل لا يمكنه أن يصمد في وجه الصين. وفي ظل هذه الظروف، ليس من المنطقي أن تخاطر الدول الآسيوية بغضب جيرانها لدعم قوة مشتتة ذات سجل متقطع من الالتزام. ولقد فعلت الحرب الروسية في أوكرانيا الكثير لإصلاح صورة الولايات المتحدة في أوروبا وإبراز قوتها العسكرية والاقتصادية. ومع ذلك، لا تزال الدول الآسيوية متوجسة بشأن إثارة المشكلات في ساحتها الخلفية.
يُحسب لإدارة بايدن أنها تعترف بالحاجة إلى تجنب سياسة المواجهة المباشرة مع الصين، ولم تتبن عقلية معنا أو ضدنا بما قد ينفر الحلفاء. وفي أحدث تقرير عن إستراتيجية الأمن القومي، تدعي الإدارة أنها تعطي الأولوية للحفاظ على ميزة تنافسية دائمة على الصين، ولكن تقيد روسيا التي لا تزال شديدة الخطورة.
على الورق، قاومت الإدارة الخلط بين المخاطر التي تشكلها الصين وروسيا، وإن كانت نية الولايات المتحدة المعلنة هي تقييد روسيا الخطرة والتفوق على الصين المنافسة. ومن الناحية العملية، ينصب اهتمام واشنطن على بكين مثل موسكو، حتى لو كان الصراع أقل حدة، ويمكن للدول الآسيوية قراءة اللغة الصادرة من واشنطن، من أعضاء مجلس الشيوخ إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وتختتم الكاتبة بالقول إنَّه بينما لا تستطيع الدول الآسيوية الهروب من واقع التنافس الصيني الأمريكي، فإنها تظل حذرة من الانحياز الصريح إلى جانب الولايات المتحدة والمشكلات التي قد تصاحب ذلك. ويبدو أنه ليس لديهم أي رغبة في أن يدفعهم حليف غير موثوق به إلى مقدمة المسرح. ومن أجل الفوز بدعم دول المحيط الهادئ والحفاظ عليه، يجب على الولايات المتحدة أن تثبت استعدادها للوفاء بالتزاماتها ووعودها، وأنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها ووعودها، وأنها تنوي تركيز الانتباه على منطقة المحيطين الهندي والهادئ على المدى الطويل.
مصدر : سياسة