بينما تتخذ المواجهة بين الولايات المتحدة والصين عدة أشكال على أصعدة مختلفة أبرزها التجارية والعسكرية، ثمة جوانب أقل بروزا لكنها تشكل ركائز تمس الأمن القومي خاصة بالنسبة لواشنطن.
من بين تلك الجوانب ميلان الكفة لبكين فيما يتعلق بعناصر الأرض النادرة وهي المعادن الأرضية النادرة التي احتلت دورا متزايد الأهمية في التقنيات الحديثة على مدار السنوات الماضية.
ويقول الباحثون د.إيونوت بوبيسكو، ودان نيجريا، و د.جيمس جاي كارافانو، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن الحرب في أوكرانيا أدت إلى نقص في ذخيرة القوات الأمريكية وتراكم لسنوات طويلة لأنظمة الأسلحة الرئيسة. لكن خطر هذا النقص يتضاءل مقارنة بالنقص العسكري المحتمل الذي يمكن أن ينشأ في حرب على تايوان بسبب اعتماد أمريكا على بكين بالنسبة لعناصر الأرض النادرة.
وتمتلك الصين حوالي 36% فقط من احتياطيات عناصر الأرض النادرة المعروفة في العالم، ولكن من خلال استراتيجية مدروسة ومنهجية، تسيطر بكين الآن على أكثر من 70% من قدرة الاستخراج في العالم. والأهم من ذلك أن الصين تسيطر على ما يقرب من 90% من قدرة معالجة هذه العناصر في العالم.
ودفعت سياسة بكين الصناعية بشكل أساسي الشركات الغربية إلى الخروج من أعمال التعدين والمعالجة للعناصر الأرضية النادرة في الصين. ولم يكن الأمر يتعلق فقط بالربح. ففي عام 1992، أعلن دنج شياو بينج، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الصيني أن “الشرق الأوسط لديه نفطه، والصين لديها (عناصر) أرضية نادرة، وتمثل رواسب الأرض النادرة في الصين 80% من الاحتياطيات العالمية المحددة، ويمكنك مقارنة حالة هذه الاحتياطيات بحالة النفط في الشرق الأوسط، إنها ذات أهمية استراتيجية مهمة للغاية. يجب أن نتأكد من التعامل مع قضية عناصر الأرض النادرة بشكل صحيح والاستفادة القصوى من ميزة بلدنا في موارد الأرض النادرة”. وهذا هو بالضبط ما فعلته بكين. فخلال أزمة جزر سينكاكو عام 2010، خفضت بكين بشكل كبير إمدادات العناصر الأرضية النادرة إلى طوكيو. وليس هناك شك في أن الصين ستطبق التكتيك نفسه مرة أخرى، وهو ما تسميه الباحثة ليزا توبين “اقتصاديات القوة الغاشمة”.
وساهمت الولايات المتحدة ودول أخرى في المشكلة من خلال تقويض مصالحها الوطنية. فقد أعاقت الدول الغربية مثل الولايات المتحدة قدرتها على التنافس من خلال اللوائح البيئية المفرطة ومتطلبات التصاريح المرهقة التي تجعل التعدين والمعالجة صعبة للغاية. وبدلا من ذلك، يتم الاعتماد على ما يتم استخراجه من الدول التي تسمح بالتعدين غير القانوني وعمالة الأطفال الوحشية والممارسات البيئية المدمرة.
ويقول الباحثون إن هذه القضية أصبحت مشكلة عالمية ذات عواقب أكبر من أن يتم إهمالها. ومما لا شك فيه أن أخطر الآثار المترتبة على السيطرة على العناصر الأرضية النادرة تتعلق بالأمن القومي. ولا يمكن بناء الأسلحة الحديثة وإصلاحها وصيانتها واستخدامها بدونها.
وقال روجر زاخيم، المسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، في تحذيره من هيمنة الصين على سوق العناصر الأرضية النادرة: “لقد تنازلنا عنها بشكل أساسي للصين، وهذا يؤثر على كل شيء من طائراتنا المقاتلة من طراز (إف – 35) إلى الهواتف التي نستخدمها كل يوم في حياتنا”.
ورغم أن المشكلة معترف بها على نطاق واسع، فإن الاستجابة كانت هزيلة وغير كافية، وفقا للباحثين. وبدلا من أن تقود الولايات المتحدة سياسات صارمة لاستعادة التوازن في السوق والمرونة في سلاسل التوريد، فإنها تتلاعب بالسياسات الصناعية التي هي أكثر استعراضا من أن تكون حلولا.
وعلى سبيل المثال، منحت إدارة بايدن العام الماضي منحة قدرها 35 مليون دولار لشركة “إم بي ماتريالز” لمعالجة العناصر الأرضية النادرة في ماونتين باس بولاية كاليفورنيا، وهو منجم عناصر الأرض النادرة الوحيد في الولايات المتحدة.
لكن الشركة لا تزال تبيع المواد الخام الأرضية النادرة إلى الصين للمعالجة المتقدمة. وذلك لأن الغالبية العظمى من طاقة تكرير العناصر الأرضية النادرة موجودة في الصين. وبالمثل، دعمت الولايات المتحدة شركة “ليناس” الأسترالية في تعدين ومعالجة عناصر الأرض النادرة، لكن هذه الشركة لا تزال تحصل عليها من الصين.
مصدر : الرياض