السبت, نوفمبر 23, 2024
الرئيسيةآسياتركيا تتقدم على إيران في آسيا الوسطى

تركيا تتقدم على إيران في آسيا الوسطى


تقويض أنقرة لنفوذ طهران التاريخي مدفوع بأدوات ثقافية واقتصادية.

تسعى تركيا بكل قوة لتشكيل اتحاد للدول الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى عبر سياسة مرنة تقدم من خلالها الخبرات والدعم العسكري والاقتصادي لتلك الدول، وهو ما يقوض نفوذ إيران التاريخي ويجعلها تنظر إلى التوسع التركي المطرد بعين الريبة.

طهران – واجهت إيران تاريخيا معركة شاقة في صراعها مع تركيا من أجل النفوذ في آسيا الوسطى واستطاعت الحفاظ على تفوقها، لكن الأمر تغيّر الآن مع انفتاح دول محورية في المنطقة على تركيا التي استثمرت كثيرا في الروابط اللغوية والتاريخية والجيوستراتيجية لسنوات، ما يؤسس لقلب المعادلة.

ونجحت طهران خلال العقود الثلاثة الماضية في استغلال عاملين في هذه المعركة. فمن جهة، اعتمدت على علاقاتها مع طاجيكستان التي يتحدث سكانها لغة قريبة من الفارسية.

وازدهرت العلاقات على الرغم من أن الشعب الطاجيكي سنّي وليس من أتباع المذهب الشيعي السائد في إيران. ولم يكن هذا الاختلاف يكتسي أهمية كبيرة حين ظهر لأول مرة، لأن سياسات الاتحاد السوفييتي المناهضة للدين جعلت الطاجيك أقل قابلية لتجاوز هذا الاختلاف.

ولم تكن العلاقات بين دوشانبي وطهران سهلة دائما، لكنها كانت أفضل من تلك التي تجمع بين إيران والدول الأخرى في المنطقة. واستفادت إيران من جهة أخرى من الانقسامات بين الدول التركية في آسيا الوسطى. واتبعت تركمانستان حتى وقت قريب سياسة انعزالية مع حياد صارم، بينما كانت الجمهوريات التركية الأخرى في المنطقة منقسمة بسبب الخلافات حول الحدود والمياه وغيرها من القضايا.

أذربيجان تلعب دورا أساسيا في دعم تركيا الطامحة في توسيع نفوذها الإقليمي في آسيا الوسطى على حساب إيران

وتقطع عشق آباد اليوم الخطوات الضرورية لإنهاء عزلتها، وتسعى دول آسيا الوسطى الأخرى إلى تعزيز التعاون في العديد من القضايا أكثر من أي وقت مضى. ويقول بول غوبل في تحليل نشرته مؤسسة جايمس تاون إن هذه التطورات الأخيرة أحدثت تحولا في المواقف الإقليمية، وأصبحت طهران مضطرة الآن إلى التعامل مع هذه الحقائق الجديدة.

وتجلى هذا التحول خلال الأسابيع الأخيرة مع تسليط الضوء على كون موقف إيران في طاجيكستان أقل أمانا مما كان عليه في الماضي. كما تمارس أنقرة نفوذا إقليميا مباشرا ومتزايدا بالإضافة إلى نفوذها غير المباشر من خلال النشاط الأذري الموسع في المنطقة. ويشير غوبل إلى أن آمال طهران في توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة واجهت فشلا كبيرا.

وكان الحدث الرئيسي في هذا الاتجاه هو قمة قادة دول آسيا الوسطى الخمس في دوشانبي في 14 سبتمبر. وقد عُقدت أربعة اجتماعات من هذا النوع منذ 2018، إلا أن هذه المرة برزت بانفتاحها المتزايد على التعاون وحضور الرئيس الأذري إلهام علييف بصفته “ضيف شرف”. وأظهرت هذه القمة خصائص تركية أكثر من أي قمة سابقة، على الرغم من أن الاجتماع انعقد في طاجيكستان غير التركية.

ويشير مراقبون إقليميون إلى أن هذا أبرز تصرف دوشانبي كعاصمة دولة شقيقة في آسيا الوسطى، وليس دولة سنية ناطقة بالفارسية. وتلعب أذربيجان دورا أساسيا في دعم تركيا الطامحة في توسيع نفوذها الإقليمي. وأشار المعلقون المؤيدون لموسكو على قناة “جمهوريت” الطاجيكية على تليغرام بوضوح إلى أن الوجود الأذري كان جزءا من “محاولة تركية طويلة الأمد لتقويض سلطة إيران في آسيا الوسطى”.

وحدد هؤلاء المعلقون أن إيران ستنظر إلى تأثير أنقرة المباشر على دوشانبي على أنه عمل عدواني تركي، وهو ما تحاول الحكومة التركية إخفاءه. وتبقى أنقرة واثقة من أن باكو ستكون قادرة على “إبعاد دوشانبي عن طهران الآن”، و”تدمير تلك العلاقات الوثيقة التي تربط الشعبين الإيراني والطاجيكي على المدى الطويل”. وتشمل العلاقات الحالية بين طهران ودوشانبي المجال العسكري، وهو أمر حيوي بالنسبة إلى طاجيكستان بسبب عدم الاستقرار قرب الحدود الأفغانية.

لكن علاقات أذربيجان مع طاجيكستان “أوثق بكثير مما قد يبدو”. وأصبحت العلاقات الثنائية الأقوى ممكنة بفضل جزء كبير من سياسة باكو الخارجية الحازمة في آسيا الوسطى منذ انتصارها في حرب ناغورني قرة باغ الثانية. وأشار المعلقون في موسكو وطهران منذ فترة طويلة إلى أن الدور الأذري المتزايد، وبالتالي التركي، في آسيا الوسطى من المرجح أن يؤدي إلى صراعات بين باكو وأنقرة من جهة، وموسكو وطهران من جهة أخرى.

ومن غير المرجح أن يرد الكرملين على الفور نظرا لانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، لكن طهران قد تتفاعل، خاصة إذا خلصت إلى أن البطء في رد الفعل يؤدّي إلى حصارها بقوس من الدول التي يمكن أن تهدد أمنها. ومن الممكن أن تسعى إيران إلى توسيع التعاون مع بكين لمواجهة توسع النفوذ التركي والأذري في المنطقة. لكن اهتمام الصين الأساسي بآسيا الوسطى باعتبارها عقدة رئيسية لطرق العبور الحيوية يجعل مثل هذا التعاون أقل احتمالا مما قد يبدو.

ومن المؤكد أن إيران وروسيا ستشعران بالقلق من هذه التطورات. وهذا هو الحال في الفترة التي سبقت قمة زعماء آسيا الوسطى التي استضافتها الولايات المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة من 18 إلى 19 سبتمبر. وبعد هذا الاجتماع، من المؤكد أن يضع المعلقون في إيران وروسيا ما حدث في دوشانبي في سياق التوترات المتصاعدة بين الشرق والغرب، وليس باعتباره قضية إقليمية فقط.

إيران تنظر إلى تأثير أنقرة المباشر على دوشانبي على أنه عمل عدواني تركي، وهو ما تحاول تركيا إخفاءه في هذه المرحلة على الأقل

ومن المرجح أن تكون مثل هذه التفسيرات مبالغا فيها، لكنها قادرة على توجيه السياسات الإيرانية والروسية الرسمية. وسترحب واشنطن بتراجع النفوذ الإيراني والروسي في آسيا الوسطى. وسيؤكد الاجتماع في نيويورك على أهمية تحول طاجيكستان في السياسة تجاه الدول التركية الأربع في آسيا الوسطى، بعيدا عن إيران ونحو روابط أوثق مع أذربيجان وتركيا والغرب.

وفي العهد السوفييتي، كان معظم المراقبين في موسكو والغرب يتحدثون عن هذه المنطقة باعتبارها “آسيا الوسطى وكازاخستان”. ولفت هذا التحول في المصطلح الانتباه إلى حقيقة أن عدد السكان من أصل روسي في كازاخستان أكبر بكثير من أي دولة أخرى في المنطقة.

وأصبح هؤلاء المعلقون يشيرون أكثر فأكثر، خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى المنطقة باسم آسيا الوسطى، مع انخفاض نسبة العرقيين الروس في كازاخستان. لكنهم يؤكدون دائما على الفرق بين الجمهوريات التركية الأربع (كازاخستان، قيرغيزستان، تركمانستان وأوزبكستان) وطاجيكستان الناطقة بالفارسية.

وربما يكون الوقت قد حان للتوقف عن تكريس الكثير من الاهتمام لهذا التمييز بعد النظر في جيوسياسية المنطقة المتراجعة أهميتها، بينما ترتفع تأثيرات العلاقات بين دول المنطقة وارتباطاتها بأذربيجان وتركيا.

المصدر : العرب

مقالات ذات صلة
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات