من بين الكثير من المشاكل الاجتماعية والصحية التي يواجهها الأفغان على مر العصور، والتي تفاقمت خلال السنوات الماضية بسبب الوضع الأمني السائد في البلاد والإهمال، شح المياه الصالحة للشرب، الأمر الذي يؤدي إلى تفشي الأمراض في مختلف مناطق البلاد، وتحديداً في المناطق الريفية النائية. ويعتمد سكانها على مياه الجداول والأحواض مرغمين.
وعادة ما لا تكون مياه الجداول والعيون نظيفة، وما من مساع لتنظيفها أو تنقيتها. في بعض الأماكن، تستخدم هذه المياه لسقي الحيوانات. في مديرية بهارك بولاية تخار (شمال أفغانستان)، لا يجد معظم سكان تلك المديرية مياهاً صالحة للشرب، فيعتمدون على مياه الجداول والأحواض التي تستخدم لسقي الحيوانات وأمور أخرى.
واللافت أن مديرية بهارك لا تبعد عن عاصمة الولاية تالقان إلا 16 كيلومتراً، ما يشير إلى أن حالة المناطق البعيدة عن المدينة الرئيسية أسوأ بكثير. ويقول الزعيم القبلي في الولاية محمد مختار العايش، والمقيم في كابول حالياً، لـ “العربي الجديد”، إنّ “مديرية بهارك قريبة جداً من مدينة تالقان عاصمة الولاية، ولكن حالها من الناحيتين الصحية والاجتماعية صعب للغاية، ولعل السبب أن فيها خط النار الأول بين حركة طالبان وبين قوات الحكومة السابقة على مر السنوات قبل سيطرة طالبان على سدة الحكم في البلاد في أغسطس/ آب 2012”.
ويشكو العايش عدم اهتمام الحكومة السابقة وحكومة طالبان الحالية ببهارك، مؤكداً أن “المؤسسات الدولية التي تهتم بالشؤون العامة والاجتماعية لا تقوم بما يشفي الغليل ويحل مشاكل الناس على المدى البعيد، بل تكتفي بالإجراءات الروتينية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بالإضافة إلى إجراء إحصائيات وجمع معلومات حول الأمراض الناجمة عن عدم وجود مياه صالحة للشرب، ولا نعرف نتائج تلك الإحصائيات”. يضيف أنها “لا تقوم بأي عمل يفيد الناس على المدى البعيد، أو يساهم في حل المعضلة بشكل أساسي”. ويوضح أن “حكومة طالبان على مدى العامين الماضيين لم تفعل كثيراً لهذه المنطقة والمناطق الأخرى في ما يخص الملفات الاجتماعية والصحية، عدا تحسن حالة العيادات والمستشفيات نسبياً. لكن استئصال جذور المشاكل وتأمين المياه النظيفة لم يتحقق”.
من جهته، يقول محمد غني، أحد سكان مديرية بهارك لـ “العربي الجديد”، إنه “منذ 40 عاماً، يعاني سكان هذه المنطقة بسبب عدم توفر المياه الصالحة للشرب. الناس فقراء ولا يمكنهم حفر الآبار. نعتمد على المياه التي نجمعها في الأحواض الصغيرة ونشرب منها لفترات طويلة ما يؤدي إلى انتشار الأمراض بشكل كبير”. ويوضح أنه كثيراً ما يعاني المواطنون من الإسهال والتقيؤ، كما أن المستشفيات بعيدة عنا ويصعب الوصول إليها وخصوصاً في الليل.
ويشير إلى تفشي أمراض في المنطقة من بينها التهاب الكبد الوبائي والسل وغيرها، ويخسر البعض حياتهم من جراء الإصابة بها. ويذكر أن أفراد عائلة شقيقه أصيبت بالتهاب الكبد الوبائي، وذلك من جراء تناولهم مياهاً غير نظيفة.
من جهته، يقول مسؤول البرامج التنموية في ولاية تخار موحد الله حميدي، لـ “العربي الجديد”، إن مشكلة المياه الصالحة للشرب كبيرة، وهي من بين أولويات الحكومة الحالية، التي تعمل على إعداد خطة لإيصال المياه الصافية عبر الحاويات إلى أكبر قدر ممكن من المواطنين، بالإضافة إلى توفير المياه النظيفة لسكان المناطق المختلفة في الولاية. إلا أن الوسائل بسيطة وقديمة”.
وليست ولاية تخار وحدها التي تعاني من هذه المعضلة، بل مناطق مختلفة من أفغانستان. ويقول الزعيم القبلي في ولاية نيمرز محمد أرغوان، لـ “العربي الجديد”، إن المشكلة متفشية في كل الولاية، ونعاني من الأمراض الفتاكة بسببها”، متهماً المؤسسات المعنية بالمتاجرة بوجع الناس. ويقول إنها “لم تفعل شيئاً خلال حكم طالبان ولا قبله، علماً أنها كانت تتلقى دعماً مالياً كبيراً”.
إلى ذلك، يقول طبيب الأمراض الداخلية سمير الله، لـ “العربي الجديد”، إن “المياه الصالحة للشرب أهم من الطعام. لكن مع الأسف الشديد، الأزمة موجودة في كل مناطق أفغانستان بلا استثناء، والسبب لا ينحصر بعدم قيام الحكومة والمؤسسات المعنية بما هو لازم، بل أيضاً عدم وجود وعي لدى المواطن، وخصوصاً في المدن، حيث يستخدم الناس المياه بطريقة غير صحية”.