الخميس, نوفمبر 21, 2024
الرئيسيةCultureانطلاقا من "أوف" و"أوفا"... آسيا الوسطى تصفي الإرث السوفياتي

انطلاقا من “أوف” و”أوفا”… آسيا الوسطى تصفي الإرث السوفياتي

الزعماء يتخلصون من “الزوائد الروسية” لألقابهم إعلاناً عن حملتهم ضد سياسات “الترويس” الإمبراطورية

عاد كثيرون من أبناء بلدان آسيا الوسطى إلى ما سبق ورفعوه من شعارات تنادي بالتخلص من “الإرث السوفياتي”، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق مع مطلع تسعينيات القرن الماضي. ويذكر المراقبون أن كازاخستان كانت في صدارة البلدان التي شهدت اندلاع أولى شرارات “المشكلة القومية”، حين خرج الألوف من أبنائها احتجاجاً على تعيين غينادى كولبين الروسي الأصل أميناً أول لحزبها الشيوعي عام 1986، بديلاً لدين محمد كونايف الأمين السابق الكازاخي الأصل، وأحد أول الضحايا ممن عصفت بهم سياسات “البيريسترويكا” إبان سنوات حكم الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف.

وعلى رغم أن المشكلة لم تكن تتعدى آنذاك سوى الاحتجاج على تعيين حزبي روسي بديلاً لحزبي آخر من أبناء كازاخستان، فإن ما أعقب ذلك من تحركات أخرى كثيرة لم يقتصر على كازاخستان، بل شمل جمهوريات أخرى كثيرة كانت جمهوريات البلطيق الثلاث في صدارتها. وإذا كانت التحركات التي شملت تشكيل عديد من “الجبهات القومية” على غرار “روخ” في أوكرانيا، و”سايوديس” في ليتوانيا، جرت تحت شعارات اقتصرت في ذلك الحين على “تسريع سياسات البيريسترويكا”، فإنها سرعان ما تحولت صوب تبني شعارات أخرى أكثر راديكالية، ومنها الانفصال وما تلا ذلك من تحركات أسهمت في انهيار الاتحاد السوفياتي مع نهاية عام 1991.

سياسة “ترويس” الشعوب

وعلى رغم أن بلدان آسيا الوسطى عادت لتتلقف الإشارة نفسها لتعلن عن انضمامها إلى التحركات الانفصالية بعد محاولة “الانقلاب” الفاشلة في أغسطس (آب) 1991، فإنها كانت الأكثر حماساً لرفع لواء التصدي لمخلفات ما كان يسمى بسياسة “ترويس” الشعوب السوفياتية، في آسيا الوسطى ومناطق شمال وجنوب القوقاز.

وبعيداً من الربط بين الدين وما كان يحدث على صعيد سياسات “الترويس” وشمل تطبيق الطريقة الروسية في كتابة الألقاب وأسماء الأب، سواء المذكر منها أو المؤنث، عاد كثيرون من أبناء بلدان آسيا الوسطى إلى الإعلان عن رفضهم ذلك النهج الذي سبق وفرضه القياصرة الروس في أولى سنوات تشكيل الإمبراطورية الروسية في القرن الـ16، وذلك ما نظل نشهده في “الزوائد” المضافة إلى الألقاب وأسماء الأب التي تنفرد بها روسيا عن غيرها من شعوب القارتين الآسيوية والأوروبية، على غرار ما يجري العمل به، ليس في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق وحدها، بل في بلدان مثل اليونان وبلدان البلطيق وبلدان الأسرة الطورانية.

ولمزيد من الإيضاح نشير إلى أن التقاليد الروسية القديمة طالما ولا تزال تفرض “الزائدة (ov)” للقب المذكر و(ova) للقب المؤنث، مثلما هو في “إيفانوف” للمذكر و”إيفانوفا” للمؤنث، مع التزام إضافة الحرف “a” في الألقاب الأخرى، كما هي الحال بالنسبة إلى ألقاب “سولجينستسين” و”يلتسين” و”بوتين” للمذكر، و”سولجينستسينا” و”يلتسينا” و”بوتينا” للمؤنث، وذلك ينطبق أيضاً على اسم “الأب” الذي يأتي على غرار “إيفانوفيتش” للمذكر، وإيفانوفنا” للمؤنث. والأمثلة كثيرة وتختلف كتابتها ونطقها بقدر ما قد يتبع الحرف الأخير منها من حروف العلة سواء في العربية أو الإفرنجية. وتلك قصة يطول شرحها، كما يقال.

التخلص من لواحق الأسماء

على أن الأهم هو ما شهدناه ونشهده في بعض الجمهوريات الآسيوية من “انتفاضة” للتخلص من “أوف” و”أوفا” للقبي المذكر والمؤنث، و”فيتش” لاسم الأب للمذكر، و”فونا” أو “يفنا” لاسم الأب للمؤنث. وكان الرئيس إمام علي رحمانوف، في طاجيكستان على سبيل المثال، أول من أعلن من زعماء المنطقة عن التخلص عام 2007 من الزائدة “أوف” التي كانت ملحقة بلقبه “رحمانوف”، ليعود إلى لقبه الأصلي الذي هو عليه الآن “إمام علي رحمن”، مناشداً أبناء شعبه فعل الشيء نفسه، بينما يظل جيرانه من أمثال شوكت ضايئيف رئيس أوزبكستان، على نهج سلفه إسلام كريموف نفسه، محتفظاً بالزائدة السوفياتية أو الروسية القديمة التي لم يتخلص منها بعد قاسم توقايف رئيس كازاخستان المجاورة.

وفي هذا الصدد ننقل ما جرى تسجيله في ذلك الحين، تأكيداً للعودة إلى “الهوية الوطنية”، والتخلص من كل ما يرتبط بأسمائهم من زوائد على غرار (ovna) و(evna) و(ovich) و(evich)، بالنسبة إلى اسم الأب، فضلاً عن زوائد الألقاب على غرار (ov) و(ova) و(ev) و(eva)، كما أشرنا عاليه.

على أن ذلك من الأمور التي تظل بعيدة عن “القول الفصل” أو “نهاية المطاف”. فما نراه في الفضاء السوفياتي السابق وما جاوره يقول بخضوع الأمر برمته إلى مقتضيات الزمان والمكان. فهناك من الطاجيك والقيرغيز من المهاجرين أو المغتربين في روسيا من يرفض الامتثال لمثل هذه القرارات أو التوجهات، نظراً إلى ارتباطه بمقتضيات محل إقامتهم في روسيا على سبيل المثال، وخشية الاصطدام بما يمكن أن يصادفه من مشكلات مع الشرطة وأرباب العمل الروس، وذلك ما ينطبق أيضاً على أوكرانيا التي طالما شهدت تعديل بعض الألقاب الروسية أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة حتى عام 2019 الذي شهد الإعلان عن الموافقة النهائية على قواعد “التهجئة الأوكرانية” في طبعتها الجديدة من جانب السلطات الرسمية الأوكرانية.

غير أن الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، بل ظهر من التوجهات ما أشار إليه الرئيس السابق لأوكرانيا بيترو بوروشينكو، من المطالبة بكتابة إيفانينكو بدلاً من إيفانوف، وكوزنيتسينكو بدلاً من كوزنيتسوف، وغيرها من الألقاب الأخرى على المنوال نفسه، اعتقاداً من جانبه أن هذه التغييرات ستسهم في “تسريع وتيرة تصفية مخلفات الشيوعية” في البلاد.

على أن ذلك لم يلقَ القبول “الجماهيري” الواسع النطاق في كثير من الجمهوريات الأخرى، ومنها أذربيجان وجورجيا وأرمينيا التي كانت قد نجحت في الاحتفاظ إلى حد كبير بمعظم تراثها التاريخي السابق ولا سيما ما يتعلق منه بالأسماء والألقاب، وإن كانت هذه الظاهرة انتشرت كما النار في الهشيم في بلدان البلطيق (أستونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي كانت آخر من انضم إلى الاتحاد السوفياتي السابق عام 1940، وأول من غادره في سبتمبر (أيلول) 1991، مبكراً عن الجمهوريات الأخرى بقرابة ثلاثة أشهر.

حيرة الأبجديات

ومن الأسماء نتحول إلى الأبجدية التي حارت أمامها شعوب آسيا الوسطى منذ بداية سنوات تبعيتهم أو انضمامهم إلى الإمبراطورية الروسية وبعدها الاتحاد السوفياتي السابق. وكانت هذه الشعوب في بداية تاريخها حائرة بين الأبجدية العربية والفارسية والعثمانية “عربية الحرف”، حتى تحول بعضها إلى “التركية” سواء قبل تغييرها أو بعد ذلك على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1928، إلى أن استقر الأمر “قسراً” عند الكيرلية أو السلافية التي تشهد اليوم كثيراً من الحملات الرامية إلى التخلص منها لصالح اللاتينية في كثير من بلدان آسيا الوسطى، كما أشرنا عاليه.

ونأتي إلى عالمنا المعاصر لنشير إلى أن كازاخستان كانت أول من نادى بالتخلص من الأبجدية الكيرلية والتحول إلى اللاتينية إبان سنوات حكم الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف في تسعينيات القرن الماضي، لكن الزمن لم يمهله لتحقيق حلمه الذي يقولون إنه كان يتفق مع رغبات الغالبية الساحقة من أبناء شعبه. وإن كان هناك من يقول إن هذا الحلم عاد ليفرض نفسه على أجندة القيادة السياسية في كازاخستان، وإن المستقبل القريب سيشهد أولى خطواتها في ذلك الاتجاه الذي سبق وحدد نزاربايف ملامحه.

وننقل عن كاميلا إسماغولوفا أو إسماعيلوفا، المحللة في مركز الأبحاث الكازاخستاني “PaperLab” في الأستانة، ما أشار إليه الموقع الإلكتروني “InoSmi” الناطق بالروسية حول أن آسيا الوسطى تمر بما سمته عملية “التخلص من مظاهر الاستعمار”، وهي تدير ظهرها ذهنياً لما يسمونه بالعالم الروسي، وذلك نتيجة “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا، على حد قولها.

وثمة من عزا ذلك إلى ما “يتفق مع تقديرات وسائل الإعلام الأجنبية”، وما نقلته بوابة “Lidovki” عن إسماعيلوفا حول أن “موضوع إنهاء الاستعمار في هذه المنطقة ظل لفترة طويلة يراود شعوب المنطقة، بما غدا معه أشبه بالحكاية الشعبية التي تلقى رواجاً في الأوساط الأكاديمية والعلمية، وتجري تغطيتها من قبل وسائل الإعلام ويناقشها المجتمع المدني”، وذلك ما ينسحب على كثير مما يجري من تطورات في كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان تتناسب مع قدر تطورها وأبعاد توجهاتها ومقتضيات تاريخها وما ترتبط به من أحداث القرن الـ20 بكل ما تشهده من تعرجات تاريخية وكوارث بشرية.

في هذا الصدد يشيرون أيضاً إلى ما أعلن عنه مكتب رئيس بلدية بيشكيك، عاصمة قيرغيزستان في آسيا الوسطى، حول التفكير في إعادة تسمية أحياء المدينة التي ترتبط أسماؤها بالماضي السوفياتي، وذلك في توقيت مواكب لما تفكر فيه كازاخستان المجاورة التي تبدو في سبيلها هذا العام إلى التخلي أخيراً عن الأبجدية “الكيرلية”، والعودة تدريجاً إلى الأبجدية اللاتينية.

وثمة من أشار في ذلك الزمان إلى أن هذه التغييرات كان يمكن أن تسهم في “تسريع وتيرة التخلص مما بقي من آثار ورموز الشيوعية” في البلاد، جنباً إلى جنب مع التخلص من أسماء وتماثيل المشاهير من رموز الأدب والتاريخ الروسي على غرار ما فاجأت به سلطات موسكو نفسها أبناء العاصمة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من تغيير لأسماء الشوارع ومحطات مترو الأنفاق، فضلاً عن إزالة الأنصاب التذكارية من الشوارع والميادين، مثلما حدث مع تمثال دزيرجينسكي مؤسس جهاز أمن الدولة “كي جي بي”، وتغيير اسم الميدان الذي كان يتوسطه في موسكو غير بعيد من “الكرملين”، وذلك فضلاً عن إزالة اسم الكاتب الروسي – السوفياتي الكبير ماكسيم غوركي من على أكبر وأشهر شوارع العاصمة التي تفضي إلى “الكرملين”، وإعادة اسمه السابق “تفيرسكايا”، نسبة إلى مدينة تفير شمال العاصمة.

ولعل ذلك يمكن أن يفسر ما شهدناه ونظل نشهده في بلدان شرق أوروبا من تفاقم لمثل هذه التوجهات التي انتشرت أيضاً “كما البثور على الجسد العليل”، في عديد من عواصمها وكبريات مدنها على غرار ما جرى في بولندا والتشيك، مما أثار ولا يزال يثير كثيراً من المشكلات بين روسيا وهذه البلدان.

المصدر: الإندبندنت

مقالات ذات صلة
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات