في أغسطس/ آب 2021، شهد العالم واحدة من أسوأ المآسي على الإطلاق، حيث سارع أفغان بالمئات نحو مطار كابُل بغية الالتحاق بالطائرات الأميركية المغادرة منه، بعد قرار واشنطن سحب قواتها من أفغانستان عقب احتلال دام 20 عامًا.
مشهد الإجلاء الأميركي وما صاحبه من تخبّط في إدارته، مع مصرع 12 جنديًا أميركيًا بالإضافة إلى عشرات الأفغان، عملت الإدارة الأميركية على دراسته لتحديد مكامن الخلل.
خلاصات التقرير
خلص التقرير الصادر عن الخارجية الأميركية والمؤلف من 87 صفحة نصفها لم يُنشر لسريته، إلى أن إدارة واشنطن لعملية الإجلاء اتسمت بالفشل.
وأشار إلى عدم قدرة المسؤولين على التخطيط لسيناريو الإجلاء وسط تخبط في التوجيهات، مما أوقع القوات الأميركية في حيرة من أمرها.
وحدد التقرير أيضًا أن إدارة بايدن فشلت في الاستعداد لسقوط الحكومة الأفغانية بيد طالبان وما خلّفه هذا القرار من تداعيات على أفغانستان.
وألقى باللوم على إدارة ترمب التي امتنعت عن التخطيط لكيفية الاحتفاظ بوجود دبلوماسي في البلاد.
إلى ذلك، يأتي التقرير الجديد بالتزامن مع أوضاع صعبة تعيشها أفغانستان؛ أحد أبرز تجلياتها ما أعلنه برنامج التغذية العالمي من حيث أنه سيوقف مساعداته إلى الدولة التي مزقتها الحرب نهاية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وتقدم هذه المساعدات إلى نحو 7 ملايين شخص. أما سبب وقفها فهو نقص التمويل.
ويحذر البرنامج أيضًا من أن الوضع الإنساني يزداد سوءًا مع ارتفاع حالة الجوع الحاد بين الأفغان ليشمل ثلثهم.
“أهمية من حيث الدروس المستفادة”
تعليقًا على المشهد، تعرب الأكاديمية والخبيرة الإستراتيجية في الشؤون الجيوسياسية باتريشيا ديجتارو، عن اعتقادها بأن أهمية التقرير هي الدروس المستفادة من ذلك وما يمكن استخلاصه من الأمر.
وتنفي في حديثها إلى “العربي” من فلوريدا، استطاعتها التكهن بما هو مستور وما لم يكشف بعد في هذا التقرير.
وبينما ترى أنه كان ينبغي إعادة ضبط الإستراتيجية الأميركية، تقول إن “طالبان تعرف شعبها وكان ينبغي أن تفهم وتدرك أن الناس كانوا يخافون”.
وتضيف أنه “كانوا بمقدور حركة طالبان اتخاذ موقف مختلف للمساعدة في تخفيف هذه المخاوف”.
وديجتارو التي تتحدث عن فشل في البداية من عهد جورج دبليو بوش، حيث لم تكن المهمة واضحة وتغيرت عامًا بعد عام، تشير إلى أن الجزء الكبير من الفشل الذي سنراه في هذا التقرير هو فشل القيادة العسكرية.
“للفصل بين السياسة والمساعدات”
بدوره، يؤكد المتحدث باسم حركة طالبان للإعلام الدولي سهيل شاهين، أنه لم يكن هناك خوف لدى الأفغانيين من الحركة.
ويذكر في حديثه إلى “العربي” من الدوحة، بأن طالبان كانت أعلنت عفوًا عامًا، سائلًا “أين الخوف إذًا؟”.
ويلفت إلى أن الازدحام في المطار جاء مع تقارير تفيد بأنه سيتم إعادة تطوينهم في الدول الغربية.
ويضيف: لم يكن هناك خوف على الإطلاق، وإن كان هناك خوف فهو خوف مزيف ومصطنع ليطلبوا اللجوء في الدول الغربية.
ويشير إلى أن “الفقر الذي يعاني منه الشعب الأفغاني أمر ورثناه من الماضي”، معربًا عن اعتقاده بأن على المجتمع الدولي أن يفصل بين السياسة والمساعدات الإنسانية.
ويضيف: “لا بد أن يستمر المجتمع الدولي في تقديم المساعدات الإنسانية، والآن هم يعاقبون الشعب الأفغاني ويجوعونه لدوافع سياسية، وذاك أمر يناقض المبادئ والقيم الإنسانية التي يزعمون أنهم يحاولون إعلاء شأنها”.
“أهم ما في التقرير هو ما لم يكشف”
من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر حسن البراري، أن الفشل لم يكن في الانسحاب الأميركي فقط بل إن الفشل إستراتيجي بالدرجة الأولى.
ويعزو في حديثه إلى “العربي” من عمّان، ذلك إلى “كونه لم يحقق هدفين: الأول القضاء على حركة طالبان كمصدر من مصادر الشرور في العالم كما كانت توصف في البروباغندا الأميركية”.
ويردف بأن “الفشل الإستراتيجي الثاني والذي أدى إلى كل هذه التداعيات هو الفشل في إعادة بناء الأمة الأفغانية أو الدولة الأفغانية بشكل حديث وديمقراطي، وتشكيل حكومات شاملة وغير إقصائية تضم كل مكونات المجتمع، ويكون الصندوق هو الحكم في نهاية الأمر”.
وبينما يشير إلى أن الانسحاب الكارثي لم يكن مخططًا له، يذكر بأن ما حصل ينسجم مع سلسلة من الممارسات الأميركية في العالم.
ويرى أن أهم ما في التقرير هو ما لم يكشف عنه بعد، مشيرًا إلى أن كل ما نُشر بشأن المقتطفات أشياء معروفة مسبقًا.
ويشير إلى أن بنودًا سرية لم يكشف عنها ربما ستكشف عن أشياء تغير من بعض وجهات النظر، متداركًا بالقول: “لكن في نهاية الأمر لا ينكر ذلك حقيقة أن واشنطن فشلت إستراتيجيًا في إدارة الحرب على الإرهاب في هذه المنطقة”.