السبت, سبتمبر 21, 2024
الرئيسيةآسياالتنافس الدولي في آسيا الوسطى … هل هي لعبة كبرى جديدة؟

التنافس الدولي في آسيا الوسطى … هل هي لعبة كبرى جديدة؟

 

وسط أوراسيا، أو ما يُعرف تاريخياً بـ”قلب الأرض”، كان وسيبقى ساحة المعركة الرئيسية في اللعبة الكبرى الجديدة، التي تدور بين الولايات المتحدة الأميركية والشراكة الاستراتيجية الصينية – الروسية.

اللعبة الكبرى الأساسية، حسبما نتذكرها جميعاً، أوجدت صراعاً بين الإمبراطوريتَين البريطانية والروسية في أواخر القرن التاسع عشر، وفي الواقع لم تنتهِ أبداً بل تطورت إلى مواجهة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المتحالفتَين من جهة، والاتحاد السوفياتي من جهة أخرى، ومن بعدها بين الولايات المتحدة (وأتباعها في الاتحاد الأوروبي) وروسيا.

لذلك، ليس من المستغرب أن جميع القوى الكبرى تنشط في قلب الأرض/وسط أوراسيا، وهي: الصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والهند وإيران وتركيا، وعلى نطاق أضيق، اليابان. أربعة من أصل خمسة “ستانات” (الدول التي تنتهي أسماؤها بكلمة “ستان”) في آسيا الوسطى هي أعضاء كاملة العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون وهي: كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. وقد يصبح بعض هذه الدول قريباً – مثل كازاخستان – أعضاء في مجموعة “البريكس +”.

“قلب الأرض” – أو وسط أوراسيا – هو “محور التاريخ” الشهير وفقاً للعبة الجيوسياسية التي صمّمها ماكيندر ووضعتها إمبراطورية بريطانيا في عام 1904. تجدد الدور التاريخي لقلب الأرض في القرن الحادي والعشرين وهو لا يقل أهمية عما كان عليه في القرون الماضية، إذ أصبح محرّكاً رئيسياً للتعددية القطبية الناشئة.

الصراع الجيوسياسي/الاستراتيجي المباشر من أجل فرض النفوذ على قلب الأرض يضع الولايات المتحدة في مواجهة روسيا والصين، وتدور هذه المواجهة في عدد كبير من الجبهات السياسية والاقتصادية والمالية.

بالطبع، تتمثل أساليب عمل القوى الإمبريالية بتوجيه التهديدات والإنذارات. قبل أربعة أشهر فقط، قام مبعوثون من الهيئات الإمبريالية، أي وزارة الخارجية والخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية، بجولة مكثفة إلى قلب الأرض، حاملين حزمة كاملة من “الهدايا”، مثل التهديدات الصريحة أو الخفية. الرسالة الرئيسية هي: إذا “ساعدت” روسيا أو حتى تاجرت معها بأي شكل من الأشكال، فإنك ستواجه عقوبات ثانوية.

ملوك طرق الحرير القديمة

لا يكاد يوجد مكان في قلب الأرض تتجلى فيه لعبة النفوذ الحالية أكثر من سمرقند، التي هي “روما الشرق” الأسطورية. نحن هنا في قلب بلاد الصغد القديمة – نقطة التقاء التجارة تاريخياً بين الصين والهند وبارثيا وبلاد فارس، وهي محور بالغ الأهمية للاتجاهات الثقافية بين الشرق والغرب، والزرادشتية، ومتجهات ما قبل/بعد الإسلام.

على غرار الفينيقيين في منطقة البحر الأبيض المتوسط، استعمر الصغديانيون بحكم الأمر الواقع، طريق الحرير القديم – عدة طرق في الواقع – إذ قاموا ببناء أسواق على طوله، امتدّت من قلب الأرض وصولاً إلى الصين.

من القرن الرابع إلى القرن الثامن، احتكر الصغديانيون تجارة القوافل بين شرق آسيا وآسيا الوسطى وغرب آسيا – في الحرير والقطن والذهب والفضة والنحاس والأسلحة والعطور والفراء والسجاد والملابس والسيراميك والزجاج والخزف والحلي والأحجار شبه الكريمة والمرايا. استفاد التجار الصغديانيون المكرة من الحماية التي قدّمتها السلالات البدوية لهم من أجل تعزيز التجارة بين الصين وبيزنطة.

أكدت الرسائل الصغديانية القديمة التي عُثر عليها بالقرب من معلم طريق الحرير في دونهوانغ في الصين، أن عائلات سمرقند الثرية دعمت التجارة في المستعمرات البعيدة. وأخيراً وليس آخراً، كانت اللغة السائدة على طرق الحرير هي الصغدية وقد ترجم البوذيون والمسيحيون والمانويون نصوصهم الدينية إليها.

النخبة الصينية المتميزة، والمعروفة بتفكيرها في الدورات التاريخية الطويلة، تدرك تماماً كل ما سبق، أي أن العوامل المذكورة تشكّل الدافع الرئيسي وراء مفهوم طرق الحرير الجديدة، والتي يُشار إليها رسمياً باسم مبادرة الحزام والطريق، المُعلن عنها منذ حوالي عقد من الزمان من قِبل شي جين بينغ في أستانا في كازاخستان. تشعر بكين بالحاجة إلى إعادة الاتصال بجيرانها الغربيين كمسار ضروري نحو زيادة التجارة والترابط في عموم أوراسيا.

أما “ستانات” آسيا الوسطى فهي تبدي ردود فعل متنوعة تجاه هذه المسألة، مما يشكّل قضية معقدة. طاجيكستان، على سبيل المثال، الضعيفة من الناحية الاقتصادية والتي تعتمد بشكل كبير على السوق الروسية كمزود للعمالة الرخيصة، تتبع رسمياً سياسة الانفتاح على مختلف أنواع التعاون، بما في ذلك مع الغرب.

يحاول الاتحاد الأوروبي مواكبة الأمر، خاصةً في كازاخستان، حيث يأتي أكثر من 30 في المئة من التجارة الخارجية (تُقدّر بـ 39 مليار دولار) والاستثمارات (تصل إلى 12.5 مليار دولار) من أوروبا. الرئيس الأوزبكي ميرزيوييف – الذي يتمتع بشعبية كبيرة، لأنه حقق انفتاح البلاد منذ خمس سنوات – عقد صفقات تجارية بقيمة 9 مليارات دولار عندما زار ألمانيا قبل ثلاثة أشهر.

وقد أنشأت كازاخستان والولايات المتحدة مجلساً للشراكة الاستراتيجية (حصل آخر اجتماع بينهما في أواخر العام الماضي). تقيم أوزبكستان والولايات المتحدة “حواراً للشراكة الاستراتيجية”، انطلق في أواخر عام 2021. أما الحضور التجاري الأميركي فهو واضح جداً في طشقند، ويتجلّى من خلال مركز تجاري بارز هناك، بالإضافة إلى بيع الـمشروبات الغازية “كوكاكولا” و”بيبسي” في كل متجر في القرى الأوزبكية.

ما الذي تنوي تركيا فعله حقاً؟

كما هو متوقع، ينصب تركيز القوى الإمبريالية في قلب الأرض على كازاخستان، وذلك بسبب النفط والغاز. تمثل التجارة بين الولايات المتحدة وكازاخستان 86 في المئة من إجمالي التجارة الأميركية مع آسيا الوسطى (وهذا ليس كثيراً: 3.8 مليارات دولار فقط في العام الماضي). فما بالك بالتجارة الأميركية مع أوزبكستان التي تشكّل فقط 7 في المئة من إجمالي هذه التجارة مع آسيا الوسطى؟

يمكن القول إن معظم هذه “الستانات” الأربعة في آسيا الوسطى، والتي هي أعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون، تمارس ما يوصف بأنه “دبلوماسية متعددة الأوجه”، وذلك في محاولة لعدم إثارة غضب القوى الإمبريالية غير المرغوب فيه. وتنتهج كازاخستان من جانبها “الدبلوماسية المتوازنة”، وهو جزء من مفهومها للسياسة الخارجية لفترة 2014 – 2020.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات