الأحد, نوفمبر 24, 2024
الرئيسيةآسياتطوير طرق النقل في آسيا الوسطى فرصة لواشنطن

تطوير طرق النقل في آسيا الوسطى فرصة لواشنطن

غياب موسكو عن المنطقة يمهد لزيادة التأثير الأميركي.

 كانت للصراع الدائر في أوكرانيا الذي أشعله الغزو الروسي تأثيرات عديدة على الشؤون الدولية. وفي حين يتركز اهتمام العالم على أبرز هذه التأثيرات مثل التداعيات الاقتصادية والتحولات في أسواق الطاقة، هناك تحول مهم لا يلتفت إليه الكثيرون وهو أن الحرب دفعت دول آسيا الوسطى إلى إعادة النظر في طرق التجارة والمواصلات القائمة.

والحقيقة أن هذا الصراع أصبح يمثل واحدة من أكثر اللحظات محورية بالنسبة إلى ربط دول آسيا الوسطى مع وجهات التجارة العالمية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي.

وقبل نشوب هذا الصراع كانت أغلب الأنشطة التجارية لدول آسيا الوسطى تمر عبر أراضي روسيا لتصل إلى المياه الدولية. لكن الحرب جعلت المرور عبر منطقة الحدود الروسية – الأوكرانية أكثر صعوبة. كما زادت العقوبات الغربية على موسكو من تعقيد النشاط التجاري لتلك الدول عبر الأراضي الروسية. لذلك وفي ظل محدودية قدرة موسكو على الانخراط المتزامن في منطقة آسيا الوسطى، أصبحت البيئة مواتية لتنويع شبكة طرق التجارة في المنطقة وتوسيعها بحسب التحليل الذي نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية للمحلل السياسي إبراهيم مامدوف الباحث الزميل في المركز القوقازي للعلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية.

ويرى مامدوف أن هذه اللحظة تمثل فرصة فريدة لصناع السياسة في الولايات المتحدة. ونظرا إلى الأهمية الجغرافية والإستراتيجية لآسيا الوسطى، من المهم للولايات المتحدة أن تساعد في تسهيل إقامة شبكة طرق ومواصلات جديدة داخل هذه المنطقة.

والحقيقة أن منطقة آسيا الوسطى إلى جانب جنوب القوقاز أصبحت ذات أهمية متزايدة لجميع اللاعبين الجيوسياسيين في العالم. فأراضي المنطقة غنية بالموارد الطبيعية ومصادر الطاقة وتضم عددا كبيرا من طرق التجارة وتحتل مواقع جيوسياسية إستراتيجية بين أغلب القوى الكبرى في العالم. وأطلق الأكاديمي داغمان كرنيفيتش ميسكوفيتش تعبير “منطقة طريق الحرير” في إشارة إلى أهمية مناطق آسيا الوسطى والقوقاز.

وقال ميسكوفيتش في مقالة نشرها في عدد الصيف من دورية “حوارات باكو” الأذرية  إنه “مع زيادة البنية التحتية للاتصالات والمواصلات متعددة الأشكال سواء من حيث الحجم أو نطاق التغطية ستصبح المنطقة من المناطق التي لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق الطموحات الإستراتيجية للقوى الكبرى التي تحيط بها من كل الجوانب”.

وشهدت الأشهر الثمانية عشر الماضية منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا نشاطا دبلوماسيا محموما من جانب الدول الكبرى نحو هذه المنطقة، التي استضافت مجموعة كبيرة من القمم الإقليمية وغير الإقليمية على غرار قمة “سي 5 زائدا واحدا” التي اقترحتها الولايات المتحدة حيث يشير حرف سي إلى دول آسيا الوسطى الخمس وهي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان أوزباكستان. وعقدت قمة “سي 5 زائدا الصين” و”سي 5 زائدا الهند” و”سي 5 زائدا روسيا” و”سي 5 زائدا الاتحاد الأوروبي” وقمة مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى.

في الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة تبدو في موقف أضعف من منافسيها على النفوذ في هذه المنطقة بسبب بعد المسافة. فالمنطقة محاطة بروسيا والصين وأفغانستان وإيران وبحر قزوين. علاوة على ذلك فإن الظروف السائدة بما في ذلك ميل روسيا المتزايد لاستخدام القوة العسكرية في سياستها الخارجية، وإصرار إيران على استبعاد تدخل الدول الغربية في أي من الشؤون الإقليمية في المنطقة، وعدم الاعتراف بحكومة طالبان في أفغانستان إلى جانب حجم الحضور الإقليمي الكبير للصين، فإن تدخل الصين في تشكيل طرق المواصلات والاتصالات داخل آسيا الوسطى ينطوي على أهمية كبيرة، حيث سيمثل فرصة كبيرة لكي تحظى الولايات المتحدة بالنفوذ فيها.

ويتناول إبراهيم مادوف الذي يدرس حاليا للحصول على درجة الماجستير في الدبلوماسية والشؤون الدولية بجامعة “أيه.دي.أيه” 3 خطوط مواصلات جديدة في منطقة آسيا الوسطى يجري الحديث عنها حاليا.

الطريق الأول هو طريق أفغانستان. ففي 18 يوليو تم توقيع اتفاق ثلاثي بين هيئات السكك الحديد في باكستان وأوزباكستان وأفغانسان، لبناء خط قطار “ترانس أفغانستان” ويستهدف ربط مدينة تمريز الأوزبكية بمدينة بيشاور الباكستانية عبر مزار الشريف وكابول في أفغانستان.

إذا أرادت واشنطن ازدهار هذا الطريق على حساب المصالح الروسية فسيكون عليها ضخ الاستثمارات لزيادة طاقة موانئ الشحن

ورغم أن هذا الخط يمثل طريقا جيدا للمواصلات في آسيا الوسطى، فإن التحديات المالية في أوزباكستان تشير إلى أن الجدول الزمني لتنفيذه يمتد حتى 2027، كما أن عدم الاعتراف الدولي الواسع بحكومة طالبان الأفغانية سيحد من قدرة الصادرات الأوزباكية على الاستفادة من الطريق للوصول إلى الأسواق العالمية.

وفي ظل هذه الظروف والتي يفاقهما عدم اعتراف الولايات المتحدة بحكومة طالبان، فقد تتبنى واشنطن طريقا بديلا لطريق “ترانس أفغانستان”.

أما ثاني الطرق التي تناولها التحليل فهو طريق إيران وهو يمثل خيارا جيدا من الناحية الجغرافية بالنسبة إلى منطقة آسيا الوسطى. فإيران توفر لها أقصر الطرق للوصول إلى المياه الدولية بالمرور عبر أراضي دولة واحدة. لكن هذا الطريق ظل غير مستغل لفترة طويلة بسبب النفوذ الروسي على دول آسيا الوسطى وعزلة إيران على المسرح الدولي. ورغم ذلك وبعد نشوب الحرب الأوكرانية قام قادة كل دول المنطقة تقريبا بزيارة طهران لإعادة تقييم العلاقات معها.

وكان موضوع التجارة وطرق المواصلات هو أحد محاور زيارات هؤلاء القادة. وتستطيع إيران أن توفر لهذه للدول ليس فقط طريقا بديلا للوصول إلى السوق الأوروبية عبر تركيا، وإنما أيضا طريقا مباشرا نحو بحر العرب وهو ما يضمن لها الوصول إلى المياه الدولية. لكن وفي ظل سوء العلاقات الأميركية – الإيرانية، فإن مصلحة واشنطن تحتم عدم تشجيع دول آسيا الوسطى على استخدام الطريق الإيراني. فهذا الطريق لن يدعم الاقتصاد الإيراني فقط وإنما أيضا سيزيد نفوذ طهران في المنطقة مما يهدد المصالح الأميركية فيها.

وثالث الطرق هو الطريق القزويني، وهو الطريق الوحيد الذي يتيح الوصول إلى المياه الدولية دون أن يقتصر على خطوط السكك الحديد ويمتد عبر بحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وتركيا، ثم يصل في النهاية إلى البحر المتوسط والاتحاد الأوروبي. هذا الطريق يمثل مزيجا من السكك الحديد والنقل البحري لجميع السلع.

وأكدت تطورات قليلة خلال السنوات الأخيرة الأهمية المتزايدة لاستخدام هذا الطريق. ووصلت مسيرة هذا الطريق إلى لحظة محورية عندما بدأ تشغيل قطار للحاويات جرى اختباره لأول مرة في 3 أغسطس 2015. ويبدأ هذا القطار الذي ينقل البضائع  من مدينة شيهازي الصينية ويمر عبر كازاخستان ويصل في النهاية إلى مدينة باكو الأذرية في طريقه إلى تركيا. وفي وقت لاحق وفي 30 أكتوبر 2017 تأخر حفل تدشين خط قطار باكو – تيبليسي – كارس عدة مرات. وهذا القطار لم يسهّل حركة نقل البضائع بين أذربيجان وتركيا عبر جورجيا فقط، وإنما مهد الأرض لتحسين حركة المواصلات عبر ممر الشرق – الغرب، ويربط أسواق الصين وآسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي.

ويصبح السؤال الآن هو كيف يمكن  للولايات المتحدة دعم شبكة الموصلات في آسيا الوسطى؟

يقول مامدوف إنه على الولايات المتحدة اعتبار الطريق الذي يمر عبر بحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وتركيا، طريقا رئيسيا للتجارة الدولية بالنسبة إلى دول آسيا الوسطى. ولتحقيق هذه الغاية عليها إظهار استعدادها للقيام بمجموعة من الخطوات الإستراتيجية.

أولا، يتعين على واشنطن ضخ استثمارات إستراتيجية في البنية التحتية للموانئ الإقليمية. وتصل الطاقة التشغيلية للطريق المار ببحر قزوين والمعروف باسم “الممر الأوسط” حاليا إلى نحو 5 في المئة من طاقة الطريق البري الذي يمر عبر روسيا والمعروف باسم “الممر الشمالي”. بمعنى آخر يحتاج بحر قزوين إلى زيادة طاقته التشغيلية بنسبة كبيرة ليصبح بديلا قويا لطريق التجارة الروسي. وإذا أرادت واشنطن ازدهار هذا الطريق على حساب المصالح الروسية، فسيكون عليها ضخ الاستثمارات اللازمة لزيادة طاقة موانئ الشحن الحيوية فيه بما في ذلك ميناء باكو في أذربيجان وميناءي أكتاو وكوريك في كازاخستان وميناء تركمنباشي في تركمانستان.

ثانيا، ينبغي على واشنطن  ضخ استثمارات مماثلة في البنية التحتية للسكك الحديد الإقليمية بما في ذلك عبّارات السكك الحديد. وعبّارات السكك الحديد كما يتضح من اسمها عبارة عن سفن مصممة خصيصا لنقل عبّارات القطارات بما تحمله من بضائع من شاطئ إلى آخر. يتم استخدام هذا النوع من العبّارات في بحر قزوين  لكن على نطاق ضيق للغاية في الوقت الحالي، وهو ما يعني  أنه غير قادر على التحول إلى بديل لطريق التجارة عبر روسيا.

ثالثا، يجب على واشنطن تخصيص المزيد من الموارد الدبلوماسية والاهتمام نحو الانخراط مع الدول التي يمر بها بحر قزوين. وقد أظهرت منصة “سي 5 زائدا واحدا” نجاحا وفاعلية كمنتدى للحوار، لذلك يجب استمرارها. كما يمكن أن يتم توسيع نطاقها لتشمل دولا أخرى موجودة على الطريق القزويني وبخاصة أذربيجان بسبب دورها المحوري.

وتستطيع الولايات المتحدة، عبر الاستثمار الإستراتيجي والتواصل مع الشركاء المحليين، زيادة الطاقة التشغيلية للطريق القزويني، ليس فقط لتعزيز حركة التجارة وتنويع طرقها وتقوية العلاقات مع الدول الإقليمية، وإنما أيضا لخدمة مصالحها في المنطقة.

المصدر: عرب نيوز

مقالات ذات صلة
- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات